سورة الأنبياء - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله} أي غير الله وصفت الهة ب {إلا} كما وصفت ب (غير) لو قيل الهة غير الله، ولا يجوز رفعه على البدل لأن (لو) بمنزلة (إن) في أن الكلام معه موجب والبدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امرأتك} [هود: 81] ولا يجوز نصبه استثناء لأن الجمع إذا كان منكراً لا يجوز أن يستثنى منه عند المحققين لأنه لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لولا الاستثناء، والمعنى لو كان يدبر أمر السماوات والأرض آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما {لَفَسَدَتَا} لخربتا لوجود التمانع وقد قررناه في أصول الكلام.
ثم نزه ذاته فقال: {فسبحان الله رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} من الولد والشريك.
{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} لأنه المالك على الحقيقة، ولو اعترض على السلطان بعض عبيده مع وجود التجانس وجواز الخطأ عليه وعدم الملك الحقيقي لاستقبح ذلك وعد سفهاً، فمن هو مالك الملوك ورب الأرباب وفعله صواب كله أولى بأن لا يعترض عليه {وَهُمْ يُسْئَلُونَ} لأنهم مملوكون خطاؤون فما أخلقهم بأن يقال لهم لم فعلتم في كل شيء فعلوه. وقيل: وهم يسئلون يرجع إلى المسيح والملائكة أي هم مسئولون فكيف يكونون آلهة والألوهية تنافي الجنسية والمسئولية {أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً} الإعادة لزيادة الإفادة فالأول للإنكار من حيث العقل، والثاني من حيث النقل أي وصفتم الله تعالى بأن يكون له شريك فقيل لمحمد {قُلْ هَاتُواْ برهانكم} حجتكم على ذلك وذا عقلي وهو يأباه كما مر، أو نقلي وهو الوحي وهو أيضاً يأباه فإنكم لا تجدون كتاباً من الكتب السماوية إلا وفيه توحيده وتنزيهه عن الأنداد {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ} يعني أمته {وَذِكْرُ مَن قَبْلِى} يعني أمم الأنبياء من قبلي وهو وارد في توحيد الله ونفي الشركاء عنه. {معي} حفص. فلما لم يمتنعوا عن كفرهم أضرب عنهم فقال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق} أي القرآن وهو نصب ب {يعلمون} وقرئ {الحق} أي هو الحق {فَهُمُ} لأجل ذلك {مُّعْرِضُونَ} عن النظر فيما يجب عليهم.


{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ} {إِلاَّ نُوحِى} كوفي غير أبي بكر وحماد {أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} وحدوني فهذه الآية مقررة لما سبقها من آي التوحيد {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً سُبْحَانَهُ} نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات الله فنزه ذاته عن ذلك ثم أخبر عنهم بأنهم عباد بقوله {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} أي بل هم عباد مكرمون مشرفون مقربون وليسوا بأولاد إذ العبودية تنافي الولادة {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} أي بقولهم فأنيبت اللام مناب الإضافة، والمعنى أنهم يتبعون قوله فلا يسبق قولهم قوله ولا يتقدمون قوله بقولهم {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} أي كما أن قولهم تابع لقوله فعملهم أيضاً مبني على أمره لا يعملون عملاً لم يأمروا به {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي ما قدموا وأخروا من أعمالهم {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} أي لمن رضي الله عنه وقال لا إله إلا الله {وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} خائفون.


{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ} من الملائكة {إِنّى إله مّن دُونِهِ} من دون الله {إني} مدني وأبو عمرو {فَذَلِكَ} مبتدأ أي فذلك القائل خبره {نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} وهو جواب الشرط {كذلك نَجْزِى الظالمين} الكافرين الذين وضعوا الإلهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقق عصمتهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والضحاك: قد تحقق الوعيد في إبليس فإنه ادعى الإلهية لنفسه ودعا إلى طاعة نفسه وعبادته.
{أَوَلَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ} {ألم ير} مكي {أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا} أي جماعة السماوات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كن {رَتْقاً} بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين {ففتقناهما} فشققناهما، والفتق الفصل بين الشيئين والرتق ضد الفتق. فإن قيل: متى رأوهما رتقاً حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلنا: إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد، ولأن الرؤية بمعنى العلم وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل، فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لا بد له من مخصص وهو القديم جل جلاله. ثم قيل: إن السماء كانت لاصقة بالأرض لافضاء بينهما ففتقناهما أي فصلنا بينهما بالهواء. وقيل: كانت السماوات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها الله تعالى وجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها وجعلها سبع أرضين. وقيل: كانت السماء رتقاً لا تمطر والأرض رتقاً لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَئ حَىّ} أي خلقنا من الماء كل حيوان كقوله {والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء} [النور: 45] أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]
{أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} يصدقون بما يشاهدون.
{وَجَعَلْنَا فِى الأرض رَوَاسِىَ} جبالاً ثوابت من رسا إذا ثبت {أَن تَمِيدَ بِهِمْ} لئلا تضطرب بهم فحذف (لا) واللام، وإنما جاز حذف (لا) لعدم الالتباس كما تزاد لذلك في {لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} [الحديد: 29] {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً} أي طرقاً واسعة جمع فج وهو الطريق الواسع ونصب على الحال من {سُبُلاً} متقدمة، فإن قلت: أي فرق بين قوله تعالى: {لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} [نوح: 20] وبين هذه؟ قلت: الأول للإعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة، والثاني لبيان أنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثم {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} ليهتدوا بها إلى البلاد المقصودة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8